فصل: الفصل الخمسون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الخمسون:

أخواني: من تفكر في ذنوبه بكى، ومن تلمح سير السابقين وانقطاعه شكا، ولا أقلق القلب مثل الحزن ولا نكا.
عند قلبي علاقة ما تقضى ** وجوى كلما ذوى عاد غضا

وبكاء على المنازل أبلتهن ** أيدي الأنام بسطًا وقبضا

من معيد أيام ذي الأثل أو ما ** قل منها دبنا علي وقرضا

سامحا بالقليل من عهد نجد ** ربما أقنع القليل وأرضى

مهديًا لي من طيب أرواح نجد ** ما يداوي نكس العليل المنضى

أخواني: تفكروا في ذنب أبيكم ونزوله بالزلل، ويكفيكم رمز إلى آدم بأنك عبد، في قوله {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى} لأن العبد ليس له إلا ما سد الجوعة وستر العورة، فجاء إبليس يطمعه في الملك، فلما خرج إلى الطمع خرج، نام في الجنة فانتبه وقد خلقت له حوى، فقال: ما هذا؟ قيل: من يريد النوم يخلق له ضجيج كفى بالشوق مسهرًا، فلما وقع في الزلل طار النوم.
متى شق جيب الجنح بالبارق الومض ** وهبت قبول فالسلام على الغمض

بالأمس جبريل يسجد له، واليوم يجر بناصيته للإخراج، ولسان حاله يستغيث.
حداة العيس رفقًا بالأسير ** ليغنم نظرة قبل المسير

ويا بان الحمى هل فيك ظل ** فعند حشاي مزدحم الزفير

ويا ريح الشمال بحق حبي ** وصدق هل مررت على الغدير

وهل سحبت على شيح ورند ** ذيولك يا مبلبلة الضمير

بكى على زلته ثلاثمائة عام حتى سالت الأودية من دموعه، اسمع يا من يضحك عند المعاصي.
سلوا بعدكم وادي الحمى ما أساله ** دمي ودموعي في هواكم أم القطر

وهل ما أراه الموت أم حادث النوى ** وهل هو شوق في فؤادي أم الجمر

كان يقول لولده: يا بني طال والله حزني على دار أخرجت منها، فلو رأيتها زهقت نفسك.
قف فتلك الطلول ** وابكها يا رسول

واقر عني سلامي ** من عليها نزول

رب سكان دار ** في فؤادي حلول

فاسأل الدار عنهم ** واستمع ما تقول

لي وللبين فيهم ** شرح حال يطول

قد كفاني غرامي ** لا تزد يا عذول

لست أدري إذا ما ** لمتني ما أقول

خلفوني معنى ** والمعنى حمول

قيل له: رد إقطاعنا فحل الإقطاع بجناية لقمة، فلما غسل آدم جناية الجناية رد الإقطاع عليه، لولا لطف {فتلقى} لقتله الأسف.
من لي من لي بوصل حب نازح ** لو بيع بمهجتي لكنت الرابح

صالح من عاش بالأماني صالح ** سامح في النقد يا حبيبي سامح

يا من جرى عليه ما جرى على أبيه، اسلك طريقه من البكاء.
خل دمع العين ينهمل ** بأن من تهواه فاحتملوا

كل دمع صانه كلف ** فهو يوم البين مبتذل

اكتب قصة الندم بمداد الدموع، وابعثها مع ريح الزفرات، لعل الجواب يصل برفع الجوى.
كيف لا أبكي على عيش مضى ** بعت عمري بحقير الثمن

كيف أرجو البرء من داء الهوى ** وطبيبي في الهوى أمرضني

انتبه لنفسك يا من كلما تحرك تعرقل، فيك جوهرية السباق ولكن تحتاج إلى رائض، قلبك محبوس. في سجن طبعك، مقيد بقيود جهلك، فإذا ترنم حاد تنفس مشتاق إلى الوطن، فالبس لامة عزمك وسر بجند جدك، لعلك تخلص هذا المسلم من أيدي الفراعنة.
أبالغوا يشتاق تلك النجودا ** رميت بقلبك مرمى بعيدا

فؤاد أسير ولا يفند لي ** وجفن قتيل البكا ليس بودي

لك الحديث يا معرض، أنت المراد يا غافل، يا مستلذًا برد العيش تذكر حرقة الفرقة، يا من يسلمه موكلان إلى موكلين، ما لانبساطك وجه، إنما تملي عليها رسالة إلى ربك، وما أراك نمل، قبح ما تمل، يا جامد العين اليوم، غدًا تدنو الشمس إلى الرؤس، فتفتح أفواه مسام العروق فتبكي كل شعرة بعين عروقها، يبرز يوسف الهيبة فيقد قميص الكون، نفخ الريح اليوم يحرك الشجر، ونفخ الصور غدًا يعمل في الصور، ريح الدنيا بين مثير لاقح تثير دفائن النبات وتلقح الأشجار وتثير دفائن الأعمار، وريح الأخرى تلقح الأشباح للأرواح لقراءة دفاتر الأعمار، أين الذي نصبوا الآخرة بين أعينهم فنصبوا، وندبوا أنفسهم لمحو السيئات وندبوا، كان داود الطائي ينادي بالليل، همك عطل على الهموم، وحالف بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك حال بيني وبين اللذات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب.
يا مالك مهجتي ووالي ديني ** كم ينشرني الهوى وكم يطربني

هجرانك مع محبتي يضنيني ** هل تدركني بنظرة تحييني

إذا جن الغاسق جن العاشق.
طال ليلي دون صحي ** سهرت عيني وناموا

كانوا يتراسلون بالمواعظ لتقع المساعدة على اليقظة، كصياح الحارس بالحارس. يا نيام السحور: للمصنف:
عرجوا بالرفاق نحو الركب ** وقفوا وقفة لأنشد قلبي

وخذوا لي من النقيب لماظًا ** أوردوا بي إلى العذيب وحسبي

فهبوب الرياح من أرض نجد ** قوت روحي وحبذا من مهب

يا نسيم الصبا ترنم على الدوح ** بصوت يشجي وإن طار لبي

من معيد أيامنا بلوى الجزع ** وهيهات أين مني صحبي

.الفصل الحادي والخمسون:

أين اللاهون بالمزاح زاحوا؟ أين شاربوا الراح راحوا؟ وبك ويك يا صاح، لقد ندبوا في قبورهم على الونى وناحوا.
يا أيها الواقف بالقبور ** بين أناس غيب حضور

قد سكنوا في حديث معمور ** بين الثرى وجندل الصخور

ينتظرون صيحة النشور ** إنك عن حظك في غرور

أين أرباب المناصب؟ أبادهم الموت الناصب، أين المتجبر الغاصب؟ أذله عذاب واصب، لفت والله الأكفان كالعصائب، على تلك العصائب، وحلت بهم آفات المصائب إذ حل بلباتهم سهم صائب، فيا من يأمن يتقلب على فراش عيوبه، مزمار ومزهر ومسكر ومنكر، فجاءه الموت فجاءة فأنساه ولده ونساءه، وجلب مساؤه ما ساءه، فنقل إلى اللحد ذميما، ولقي من غب المعاصي أمرًا عظيما.
بينا تراه غاديًا رائحًا ** في نعم غادية رائحة

إذا بيوم طالح مخرج ** من خبئه آماله الصالحة

كم سالم صحته موته ** وقائل عهدي به البارحة

أمسى وأمست عنده قينة ** فأصبحت تندبه نائحة

فكن من الدنيا على صيحة ** واينا ليست به صائحة

من كانت الدنيا به برة ** فإنها يومًا له ذابحة

واعجبًا، لمن رأى هلاك جنسه ولم يتأهب لنفسه قال البازي للديك: ليس على الأرض أقل فاءًا منك، أخذك أهلك بيضة فحضنوك فلما خرجت جعلوا مهدك حجورهم ومائدتك أكفهم، حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت ها هنا وها هنا وصحت، وأنا أخذت مسنًا من الجبال فعلموني ثم أرسلوني، فجئت بصيدي فقال له الديك: إنك لم تر بازيًا مشويًا في سفود، وكم رأيت في سفود من ديك؟ أخواني الزهد في الدنيا زبد، مخض محض الفكر، حظ الحريص على الدنيا في الحضيض، والقنوع في أعلى الذرى، سائق الحرص يضرب ظهر الحريص بعصا التحريض، فلو قد عصى الهوى كفت العصا، كلما زاد على القوت فهو مستخدم الكاسب يا موغلًا في طلب الدنيا الحساب حبس، فإن صح لك الجواب تعوقت بمقدار التصحيح، وإن لم يصح فمطورة جهنم.
ويحك، طالع دستور عملك ترى كل فعلك عليك، من وقف على صراط التقوى وبيده ميزان المحاسبة ومحك الورع يستعرض أعمال النفس، وبرد البهرج إلى كير التوبة سلم من رد الناقد يوم التقبيض.
ويحك، سلطان الشباب قد تولى، وأمير الضعف قد تولى، ومعول الكبر يحصد حيطان دار الأجل، وحسبك داء أن تصح وتسلما، قف على ثنية الوداع نادبًا قبل الرحيل على ديار الإلفة.
يا منزلًا لم تبل أطلاله ** حاشى لأطلالك أن تبلى

والعشق أولى ما بكاه الفتى ** لا بد للمحزون أن يسلى

لم أبك أطلالك لكنني ** بكيت عيشي فيك إذ ولى

كان ثابت البناني يستوحش لفقد التعبد بعد موته، فيقول: يا رب إن كنت أذنت لأحد أن يصلي في قبره فأذن لي.
وكان يزيد الرقاشي يقول في بكائه: يا يزيد من يبكي بعدك عنك؟ من يترضى ربك لك؟
أحبكم ما دمت حيًا وإن أمت ** فواكبدي من ذا يحبكم من بعدي

لما علم المحبون أن الموت يقطع التعبدات كرهوه لتدوم الخدمة، جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام ليقبضه فلطم عينه، فإذا قامت القيامة باد إلى العرش طالت غيبته فاستعجل استعجال مشوق كانوا يحبون أماكن الذكر ومواطن الخلوة، والمؤمن ألوف للمعاهد عهد عند المحب لا ينساه، اسكن حراء.
احبسا الركب بوادي سلم ** فبذاك المنحنى طل دمي

وانشدا قلبي في سكانه ** فمن السكان أشكو ألمي

أخذوا قلبي وأبقوا جسدي ** فوجودي بعده كالعدم

صل محبًا جفنه لم ينم ** وابلائي أن خصمي حكمي

واعجبًا للمحب يستر ذكر الحبيب، بذكر المنازل، وما يخفى مقصوده على السامع «أحد جبل يحبنا ونحبه».
ألا اسقني كاسات دمعي وغنني ** بذكر سليمى والرباب وتنعم

وإياك واسم العامرية إنني ** أغار عليها من فم المتكلم

رياح الأسحار تحمل الرسائل وترد الجواب.
للخفاجي:
أفي نجد تحاورك القبول ** أظن الريح تفهم ما نقول

تغنت في رحال الركب حتى ** تشابهت الذوائب والذيول

صحبنا في ديارهم صباها ** يناوبها التنفس والنحول

وأمطرنا سحاب الدمع حتى ** حسبنا أنها مهج تسيل

وعجنا ذاهلين فما علمنا ** أنحن السائلون أم الطلول

ديار الأحباب درياق هموم المحبين على أنني منها استفدت غرامي، كان قيس إذا رحلت ليلى تعلل بالآثار واستشفى بالدمن واستنشق الصبا وشام برق بني عامر.
أقتل أدواء الرجال الوجد ** وق نجدًا فالغرام مجد

حيث الرياض والنسيم أنف ** ودنف ما يستفيق بعد

إن الصبا إذا جرت قادحة ** نار الغرام ففؤادي الزند

تعدى المحبين الصبا كأنما ** لها على أهل الغرام حقد

لا تتلق نفحة نجدية ** هزلا فهزل النفحات جد

دع الصبا فعل الهواء كالهوى ** سيان منه قصره والمد

ما كبدي بعدك إلا جذوة ** لها بترجيع الحنين وقد

يسترها الجلد ولولا أدمعي ** ما كان قط ستر نار جلد

كيف ببرئي والطبيب ممرضي ** يصد والداء العضال الصد

النار قلبي والسموم نفسي ** والماء طرفي والتراب الخد

قد كنت أخفى عن عيون عذلي ** كذا وجود العاشقين فقد